قدم موقع FIFA.com خلال الأسابيع القليلة الماضية ملفاً حول "أذكياء كرة القدم ونوابغها"، وكان الهدف آنذاك تقريب القراء الأعزاء من مثقفي الساحرة المستديرة وتفنيد الإدعاء القائل أن لاعبيها لا يستخدمون أدمغتهم للتفكير بل لتسديد الكرات لا غير. وبعيداً عن تلك المتاهات، تجدر الإشارة إلى أن عالم المستديرة الساحرة مليء بالمواقف الساخرة والغريبة، التي يختلط فيها الحابل بالنابل، وتخلد ذاكرة العشاق والمتتبعين طرائفها.
يعتبر أنصار منتخب السيلساو اللاعب كاكا رمزاً كروياً ولبنة أساسية في كتيبة السامبا، ويذكره الجمهور العالمي لاعباً متمرساً ذا نظرة ثاقبة لمجريات المباريات. رغم ذلك يُحكى أن نظرة الداهية البرازيلي أقل صرامة خارج الملاعب المستطيلة، وأنه يتيه بسهولة بين الدروب والأزقة. إذ أصيب النجم المتألق بالأرق مثلاً في صيف 2009، عندما كان على منتخب السيلساو مواجهة نظيره الإستوني في مباراة ودية. فغادر الفندق وقرر التجول بين دروب الحي القديم لعاصمة البلاد تالين. ولكن نجم مدريد الحالي تاه بعد نزهته القصيرة، وتعذر عليه العثور بعد ذلك على الفندق. واضطر حامل الكرة الذهبية إلى الإستعانة بعناصر الشرطة الإستونية للعودة سالماً إلى الفندق.
وقد تكرر الموقف ذاته مرة أخرى مع نادي ليل الفرنسي، خلال مشاركة ممثل شمال فرنسا في دوري أبطال أوروبا UEFA. إذ أدى خلط المشرفين على النادي بين مدينتي جينك وجينت البلجيكيتين إلى التقليل من شأن رحلة الفريق إلى الديار البلجيكية، واعتقدوا خطأً أن عليهم قطع مسافة 74 كلم فقط. وعندما بلغ الفرنسيون مدينة جينت، تفاجأ الطاقم بخطئه واضطر الفريق إلى قطع مسافة 214 كلم لبلوغ ملعب الخصم الحقيقي. ولكن سرعان ما نسي أعضاء الفريق الفرنسي هذه التجربة، وعادوا للديار منتشين بعد الإنتصار في الموقعة بنتيجة 4-2.
هذا ويؤكد لاعبو كرة القدم والعارفون بخباياها أن رحلة العودة تكون أطول من رحلة الذهاب عند الهزيمة. ويسوقون في ذلك مثل نادي لانس الفرنسي، والذي خسر شهر سبتمبر/أيلول الماضي أمام نادي لومان بنتيجة 3-0 فغادر أعضاء بعثة النادي الملعب والمدينة على وجه السرعة بعد الهزيمة القاسية، ولكن التسرع والإستعجال تسبب في ترك الكابتن إيريك شيل وحيداً في مرآب سيارات الملعب ذلك اليوم.
وما كان هذا الأمر ليحدث مع الأسطورة الاسكتلندي جيمي جونستون، ولكنه ترك بدوره سلسلة من النوادر العجيبة والغريبة. فقد نجى "جينكي" من كارثة حقيقية بفضل رفاقه في المنتخب، والذين ردوا له جميل الرفع من شأن كرة القدم الإسكتلندية بعد مساهمته في فوز نادي سلتيك بكأس أوروبا للأندية البطلة سنة 1967. وتزامن هذا الأمر مع منح مدرب المنتخب، ويلي أورموند، لاعبيه يوم رلا قصد الرفع من معنوياتهم بعد الإنتصار الثمين على المنتخب الويلزي 2-0 قبل أيام قليلة فقط موقعة حاسمة أمام انجلترا. وكان جونستون محباً للحفلات الصاخبة وذا نفس طويل فيها، إذ كان آخر من يغادر محل الإحتفال.
وقد عثر "جينكي" في طريق العودة إلى الفندق على مركب مهجور على مقربة من الشاطئ، وقرر فجأة دخول البحر على متنه. وقد علّق صديقه دونالد فورد على هذه التجربة 20 سنة بعد ذلك بالقول: "لقد دخل البحر وبدأ في الهتاف: اسكتلندا، اسكتلندا...كان المركب دون مجداف وحمل التيار جينكي بعيداً دون أن يكتشف ذلك." وقد اضطر فورد ودينيس لاو إلى الإستعانة بعناصر الحرس البحري لنجدة زميلهم قبل فوات الأوان. ثم علم مدرب الإسكتلنديين بالأمر وثارت ثائرته وغضب كثيراً ولكنه أقحم "جينكي" في الموقعة وكان أداؤه حاسماً في ضمان الفوز على الخصم الإنجليزي العتيد بنتيجة 2-0.
وكثيرة هي نوادر لاعبي كرة القدم ومتاعبهم مع الشاطئ. إذ تردد اللاعب الأمريكي فرانكي هايدوك طويلاً وكانت حيرته كبيرة عندما تعين عليه الإختيار بين احتراف كرة القدم أو احتراف رياضة ركوب الأمواج. وقد كاد أن يودع الملاعب المستطيلة سنة 1997، ستة أشهر فقط قبل أول كأس عالمية في مسيرته، بسبب الطيش والتهور. حيث شارك مع بعض الأصدقاء في حفلة صاخبة قبيل رحلة منتخب الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين وأصيب منبه ساعته بعطب فتأخر عن موعد الرحلة. وقد دفع فرانكي ثمن طيشه غالياً، ولم يشركه المدرب الصارم ستيف سامسون سوى في 6 دقائق على امتداد عام كامل.أما مهاجم نادي ويستهام السابق لوري روسينيور، فيحمل رقماً قياسياً فريداً في عالم كرة القدم، إذ تحمل مسؤولية تدريب نادي توركاي يونايتد سنة 2007 لمدة 10 دقائق لا أقل ولا أكثر. ثم انتقلت ملكية النادي مباشرة بعد تعيينه إلى اتحاد شركات محلية، فتقرر تعيين المدرب بول بوكل في هذا المنصب. وقد علق روسينيور على هذه التجربة متهكما: "لقد أخبروني بطبيعة الحال أنني قمت بعمل كبير خلال تلك الدقائق العشر."
كما يمتلك نادي باريس سان جرمان بدوره نوادره ومواقفه الساخرة، لكن ما حدث لطاقم الفريق خلال دوري أبطال أوروبا UEFA سنة 1997 أمر لا يصدق. إذ رحل ممثل العاصمة الفرنسية إلى مدينة بوخارست لملاقاة نادي ستيوا دون مراجعة صندوق البريد قبل الإنطلاق. وقد خاض الفريق المباراة معززاً باللاعب لوران فرونيي الموقوف من قبل UEFA. ولتبرير ما حدث، التمس مسيرو النادي الأعذار وادعوا أن رسالة الإخطار بالإيقاف ضاعت منهم. ولكن ذلك لم يمنع الإتحاد الأوروبي من معاقبة باريس سان جرمان، فتحولت هزيمته من نتيجة 3-2 إلى خسارة بنتيجة 3-0. كاد الفريق أن يؤدي ثمن هذه الهفوة غالياً ولكنه استطاع حسم الأمور في مواجهة العودة وسحق الفريق الروماني 5-0.
ولا تقتصر الأخطاء في كرة القدم على المنظمين، بل للاعبين قسط وفير وباع طويل في هذا المضمار. فقد غمرت الفرحة اللاعب الألماني مارسيل فينش مثلاً عندما علم أنه سيشارك في المباراة الهامة في الدوري اللأماني أمام فريق شالكه 04 موسم 1997/1998، فنسي قميصه في مستودع اللاعبين. وعندما اكتشف الأمر، ذهب للبحث عنه، فأحرز الخصم هدف المباراة الأول وانتصر في اللقاء بنتيجة 2-0. أما مهاجم نادي مارسيليا السابق سيريل شابوي، فقد اكتشف في مباراة أمام ميتز موسم 2002/2003 أنه نسي بنطلونه عندما أراد نزع البذلة الرياضية ودخول الملعب من دكة البدلاء.
وقد تكرر الموقف بشكل أطرف مع بعثة منتخب كولومبيا سنة 2006، إذ اكتشف الجميع عشية مباراة ودية أمام ألمانيا ضياع أحذية الفريق بعد نسيانها في بولندا حيث عسكر الفريق أياماً قليلة قبل ذلك.
وتجدر الإشارة في الختام إلى حادث طريف ومؤلم في الآن ذاته، حادث سيذكره اللاعب مارتين باليرمو طوال حياته. وقد عاش هذا اللاعب المتقلب الأحوال لحظات مد وجزر خلال مسيرته الطويلة، إذ تمكن من تسجيل هدف أسطوري بضربة رأسية عن بعد 40 متراً، لكنه أهدر ثلاث ركلات جزاء في مباراة واحدة. أما اللحظة الأكثر مأساوية في مشواره الكروي فقد كان ملعب نادي فيلاريال مسرحاً لها، إذ اقترب النجم الأرجنتيني من المشجعين للإحتفال بأحد الأهداف وقد أدى ضغط الجمهور إلى سقوط حائط من الإسمنت المسلح، مما خلف كسراً في ساق اللاعب وحرمه من المشاركة في كأس العالم FIFA 2002.
أما المدافع الكاميروني أندري بيكي فقد حصل في مباراة المربع الذهبي ضمن كأس الأمم الأفريقية 2008 على البطاقة الحمراء بعد أن عرقل ممرض الفريق الخصم. وبعد حرمانه من المشاركة في نهائي الأحلام، اضطر بيكي إلى متابعة هزيمة منتخب الأسود غير المروضة أمام منتخب مصر من المدرجات.
منقول عن موقع الفيفا