يدرك اللاعبون مثل الجماهير أن مباريات كرة القدم تبقى مفتوحة على جميع الاحتمالات ما دام الحكم لم يطلق صافرة النهاية، وبالتالي لا يجب بتاتا الاستسلام لليأس أو للغرور على حد سواء. ولنا في تاريخ اللعبة أمثلة حية عن فرق كتبت اسمها بحروف من ذهب. موقع FIFA.com من جهته، قرر الغوص في ذاكرة الساحرة المستديرة وتخليد أهداف تم تسجيلها في الأنفاس الأخيرة من عمر المباريات، سمحت بالتالي لأصحابها من دخول التاريخ من أوسع أبوابه وتغيير مسار حياتهم.
لا شك أن أحسن مكان يمكن أن نستهل به رحلتنا هذه هو إنجلترا مهد كرة القدم، وبالضبط سنة 1966، إحدى المحطات الكبيرة والخالدة للكرة الإنجليزية، حيث أقيمت هناك نهائيات كأس العالم FIFA. نجوم البلد المستضيف كانوا متقدمين في النتيجة 2-1 حتى الدقيقة 89، بل من اللاعبين من بدأ يفكر حينها في اختزال الوقت والذهاب لتسلم الكأس الغالية، لكن فجأة تمكن المدافع الألماني فولفجانج فيبر من قلب الطاولة على الإنجليز مسجلا هدف التعادل في الثواني الأخيرة من عمر اللقاء (2-2)، بيد أن جيوف هورست، الذي كان قد سجل خلال الوقت الأصلي للمباراة، عاد مرة أخرى ليزور شباك الألمان في مناسبتين في الشوطين الإضافيين، ويعلن أن الكأس لن تغادر لندن. وحتى هدفه الرابع كان قد سجله هو كذلك في الدقيقة 120...
ويبدو أن هورست قد أسس ثقافة كروية جديدة بالمنتخب الإنجليزي، فبعد مضي 30 سنة من إنجازه الكبير، وبالضبط خلال مباراة ثمن نهائي كأس العالم إيطاليا 1990 FIFA، حيث تقابل منتخب الأسود الثلاثة مع نظيره البلجيكي القوي. وبينما كان اللقاء يلفظ أنفاسه الأخيرة، قبل الانتقال إلى سلسلة الضربات الترجيحية، نفذ النجم بول جاسكوين آخر ضربة خطأ، فتابعها البديل دافيد بلات وأودعها في مرمى بلجيكا بحركة فنية جميلة، محرزا بذلك هدفا تاريخيا بكل المقاييس، إذ يعتبر الهدف الأكثر تأخرا في تاريخ المستديرة، بل إن فرحة دافيد بلات واحتفاله بعد تسجليه للهدف اعتبرها البعض تاريخية أيضا.
لقد كانت كولوميبا تعيش آنذاك فترة سياسية عصيبة، واستطاع هذا الهدف أن يريح الشعب ويدخل الفرحة إلى قلوب الكولومبيينفريدي رينكون
وعرفت نهائيات إيطاليا 1990 حدثا مماثلا حيث انتظر لاعب منتخب أوروجواي دانييل فونسيكا حتى الدقيقة 90 ليسجل هدف المباراة الوحيد في مرمى كوريا الجنوبية، وليمر بذلك منتخبه للدور الموالي. كما شهدت مباراة ألمانيا وكولومبيا، وهو آخر لقاء في المجموعة، أحداثا مثيرة للغاية. فنجوم المانشافت الذين كانوا قد ضمنوا التأهل عقب انتصارهم في المباراتين السابقتين، دخلوا اللقاء بهدف انتزاع الفوز الثالث على التوالي، وبالفعل تمكنوا من افتتاح النتيجة قي الدقيقة 89 عبر نجمهم بيير ليتبارسكي...، لكن فريدي رينكون استطاع إرجاع الأمور إلى نصابها بتوقيعه هدف التعادل في الدقيقة الموالية، ولازال يستحضر هذه اللحظات بقوة، حيث صرح لموقع FIFA.com: "لقد كانت كولوميبا تعيش آنذاك فترة سياسية عصيبة، واستطاع هذا الهدف أن يريح الشعب ويدخل الفرحة إلى قلوب الكولومبيين".
ولكي يكون بمقدور اللاعبين والجماهير تذوق مثل هذه الأحاسيس الجياشة في كأس العالم FIFA، يجب أولا ضمان مقعد بالنهائيات. وقد عاش المنتخب الفرنسي هذا الموقف في شهر نوفمبر- تشرين الثاني 1993، خلال تصفيات البطولة التي احتضنتها أمريكا سنة 1994. فمنتخب الديوك كان بحاجة إلى نقطة واحدة من المباراتين التي استقبل خلالهما إسرائيل وبلغاريا، لكن "الزرق" خسروا في الدقائق الأخيرة من عمر اللقاءين. إذ عكر الإسرائيلي روفن أتار فرحة الفرنسيين قي الدقيقة 93، قبل أن يقضي البلغاري إيميل كوستادينوف على كل آمال المنتخب الفرنسي بتسجيله هدف الانتصار لفريقه في الدقيقة الأخيرة.
ومن الواضح أن فرنسا لم تتعلم بتاتا من الدرس الذي لقنه العراقيون لليابان شهرا قبل ذلك، حيث كان من الواجب على محاربي الساموراي الانتصار على نجوم الرافدين لضمان تذكرة السفر إلى أمريكا، وهو ما كانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه، لكن في الدقيقة 91 تمكن جعفر سلمان من قلب الموازين ومعادلة النتيجة تاركا دموع بلد بأسره تسيل ساخنة على الخدود الصفراء.
التظاهرات القارية بدورها مليئة بمثل هذه الأهداف الحاسمة والمثيرة. فخلال نهائيات كأس أوروبا للأمم UEFA 2008، تم تسجيل سبعة أهداف في الوقت بدل الضائع. وبهذا الخصوص أوضح أندي روكسبورج، المدير الفني بـ UEFA وعضو هيئة الدراسات الفنية لـFIFA أن "الكثير من المدربين يقومون في الدقائق الأخيرة من عمر المباريات بتبديلات بغية تغيير النتائج"، مضيفا أن "هذه القرارات يكون لها تأثير كبير على الدقائق الأخيرة، وهو ما يجعلنا نعيش أحداثا مثيرة عندما يكون اللقاء يلفظ أنفاسه الأخيرة".
وهذا النهج التكتيكي تبين بشكل واضح خلال المباراة النهائية لكأس أوروبا UEFA 2000، والتي دارت رحاها بين فرنسا وإيطاليا، حيث كان من المشجعين الإيطاليين من بدأ في الاحتفال، خصوصا وأن منتخبه كان متقدما في النتيجة 1-0، وساعة الحكم قد وصلت إلى الدقيقة 93. غير أن النجم سيلفان ويلتورد أبى إلا أن يُسكِت هذه الجماهير بتسجيله هدف التعادل في آخر ثانية (90+4)، قبل أن يضيف زميله دافيد تريزيجيه الهدف الذهبي ويمنح اللقب الغالي للفريق الأزرق...
أربع سنوات بعد ذلك، عاشت الديوك الحكاية نفسها، خلال نهائيات 2004 UEFA. فرغم تأخرهم في النتيجة 1-0، في مباراتهم الأولى أمام رفاق ديفيد بيكهام، عاد الفرنسيون بقوة في الوقت بدل الضائع، حيث أكد النجم الظاهرة زين الدين زيدان قيمته الكروية بإسكانه الكرة في مرمى الإنجليز من ضربة حرة مباشرة نفذها بإحكام في الدقيقة 91، ثم انبرى بنجاح لضربة جزاء في الدقيقة 93.
لقد سددت هذه الكرة لأنني في الصغر كثيرا ما سجلت أهدافا من نفس الوضعية، لقد لمحت الحارس متقدما فلم أتوان في التسديد وقد أصبت الهدفنعيم
من جهته لم يسلم المنتخب الأرجنتيني من لدغة أهداف الدقائق الأخيرة، حيث كان بدوره يستعد للاحتفال بطلا لأمريكا الجنوبية خلال المباراة النهائية لدورة كوبا أميريكا 2004، لكن مهاجم منتخب البرازيل أدريانو كان له رأي آخر. فرغم افتتاح كريستيان كيلي جونزاليس التهديف من ضربة جزاء، استطاع لويساو التعديل لحظات قليلة قبل نهاية الشوط الأول. وعاد الأرجنتينيون مرة أخرى للتقدم عبر سيزار ديلجادو، بل تمكنوا هذه المرة من المحافظة على النتيجة حتى الدقيقة الأخيرة للوقت الأصلي من المباراة. لكنه وفي الوقت بدل الضائع، وإثر هجوم منسق رائع، تمكن "الإمبراطور" من إسكات أصوات الجماهير الأرجنتينية بتوقيعه هدف التعادل، ليحتكم الفريقان لضربات الترجيح، التي فشل خلالها أبناء المدرب مارسيلو بييلسا، وليتوج البرازيليون أبطالا مرة أخرى.
كذلك تزخر ذاكرة منافسات النوادي بالكثير من مثل هذه الأحداث. فخلال المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا UEFA 1999، أمسك نادي بايرن ميونخ بزمام الأمور منذ الشوط الأول وتقدم على خصمه مانشستر يونايتد 1-0، حتى الدقيقة 90، وفي الوقت الضائع الذي احتسبه الحكم، تمكن تيدي شرنجهام من معادلة النتيجة، وقبل أن يستفيق البافاريون من هول الصدمة، أطلق النرويجي أولو جيينار سولسكايير رصاصة الرحمة، بمجرد نزوله للمستطيل الأخضر، وسجل الهدف الثاني للشياطين الحمر. وعن هذه اللحظة أسر الدولي النرويجي لموقع FIFA.com: "لن أتعب أبدا من التحدث عن تلك المباراة، لا يهم عدد الأهداف التي سجلتها لمانشستر فأغلاها بدون شك هو هذا الهدف، حيث يحظى بمكانة خاصة جدا في مسيرتي".
ومن بين المباريات النهائية القارية التي شهدت كذلك أطوار مثيرة في آخر لحظاتها، نهاية كأس الأندية الفائزة بالكأس 1995، حيث شهد اللقاء صراعا قويا بين ريال سرقسطة وأرسنال حتى الدقيقة 119. فبينما كان مدربا الناديين يفكران في أسماء اللاعبين الذين سيسددون الضربات الترجيحية، قام الأسباني-المغربي نعيم بمفاجأة المدفعجية، حيث سدد كرة قوية من وسط الميدان بالقرب من خط التماس الأيمن للملعب، غالطت الحارس دفيد سيمان، ليهدي بالتالي الكأس لفريقه. وعن تلك الذكرى، يوضح قائلا: "لقد سددت هذه الكرة لأنني في الصغر كثيرا ما سجلت أهدافا من نفس الوضعية، لقد لمحت الحارس متقدما فلم أتوان في التسديد وقد أصبت الهدف".
لا يهم عدد الأهداف التي سجلتها لمانشستر فأغلاها بدون شك هو هذا الهدف، حيث يحظى بمكانة خاصة جدا في مسيرتيأولو جيينار سولسكايير
الدوري الاسكتلندي، من جهته، عاش على إيقاع لحظات مشابهة في خضم الصراع التاريخي بين سيلتيك ورينجرز. فخلال آخر جولة من موسم 2004-2005، كان مصير نادي سيلتيك بين أقدام لاعبيه، إذ كان يتوجب عليهم الانتصار لنيل اللقب، وهو ما كانوا على مقربة من تحقيقه بفضل هدف كريس ستون، رغم أن رينجرز كان بدوره متقدما في النتيجة في إدنبوره ضد هبرنيان. وهناك من يقول أن مروحية كانت في طريقها إلى ماثرويل وعلى متنها درع البطولة، حين استطاع المهاجم الأسترالي سكوت ماكدونالد تعديل النتيجة في الدقيقة 89. وهو ما جعل "البهويز" يندفعون للهجوم بكل قوة تاركين مساحات في الدفاع، أدت إلى تلقيهم هدفا ثانيا، ولتغير بذلك المروحيه اتجاهها صوب العاصمة...
هذا التشويق عاشه أيضا أرسنال خلال موسم 1988-1989. ففي الجولة الأخيرة كذلك من الدوري، واجه المدفعجية، أصحاب المركز الثاني آنذاك، نادي ليفربول المتصدر، وكان يتحتم على اللندنيين حينها الفوز بهدفين على الأقل إن هم أرادوا حرمان "الريدز" من اللقب "السهل". ولم يتأخر ألان سميث في هز الشباك حيث سجل هدفا خلال الشوط الأول من المباراة. بيد أن بريس جروبيلار ومدافعيه صمدوا بشكل ممتاز خلال باقي أطوار المباراة. وفي الوقت المحتسب بدل الضائع، كانت الدموع تنهمر بغزارة على خدود الجماهير أرسنال، بل وفي آخر ثانية من الوقت الأصلي زادت دموع مشجعيه انهمارا، لكن لسبب مغاير، حيث تمكن المهاجم مايكل توماس من تحقيق معجزة وإهداء أرسنال اللقب الذي كان قد غاب عن خزانته ل18 سنة.
كما لا يمكن إغلاق هذا الملف دون الحديث عن الدوري الأرجنتيني، وبالتحديد موسم 2002، الذي يعتبر أكثر المواسم إثارة للجدل في تاريخ بلاد التانجو. فقبل ثلاث جولات من إسدال الستار، استقبل ريفر بلايت نادي راسينج، منافسه المباشر على لقب الدوري، إلى جانب خماناسيا لابلاتا الذي انتصر في مباراته بثلاثية نظيفة، في حين أن المتنافسين الآخرين كانا لم يحسما بعد مصيرهما. وفي آخر دقيقة، طرد الحكم حارس مرمى ريفر بلايت والذي ترك مكانه للشاب مارتن ديميكليس، الذي كان يتوجب عليه التصدي لضربة حرة مباشرة. انقلاب مفاجئ مثل هذا، جعل مشجعي "أكايميا" يتوقعون منذ البداية أن الكرة ستعانق الشباك. لكن جرت الرياح بما لا تشتهيه السفن. فقد تمكن دفاع ريفر بلايت من انتزاع الكرة والقيام بهجوم معاكس سريع استطاع على إثره اللاعب نيسلون بيبينو كويفاس تسجيل هدف بوزن الذهب. وبالتالي تمكن "الميلوناريوس" من نيل اللقب الغالي....
شارك برأيك!
منقول من موقع الفيفا